لدت هذه الأمة مع ميلاد الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم).سأحكي لكم قصة حياة حبيبنا مجمد، سأحكي عن النبي حياً وميتاً وستكون وفاته مؤثرة، وفي حياته ستشعر بمدى المصاعب التي واجهها، لكنني لن أحكي من أجل الحكاية ولكن من أجل الخروج بهدفين:
1_حبه صلى الله عليه وسلم حباً شديداً وشعور به جداً لدرجة ذرف الدموع عند ذكره .
2_ نقلده بشدة ,فسنة النبي غالية جداً .
هناك شخص واحد فقط في الكون كل جزئية في حياته تمس كل الناس بل وكل البشرية... لماذا؟ لأن ربنا جمع له في 23 سنة -وهي فترة بعثته- كل ما يحتاجه بنو آدم ليوم القيامة.... أي موقف وأي تصرف تصادفه في حياتك تجد له أصلاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ,شاباً... عجوزاً... كبيراً... صغيراً... مسئولاً... ضعيفاً... قوياً.... فقيراً... غنياً... أي شيء تريد معرفته في حياتك ستجد له أصلاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله جمع في مدة بعثته كل ما تحتاجه إلى يوم القيامة... كي لا يدع لشخص حجة أنه لم يتمكن من الإقتداء بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم...
فلا يوجد في حياة أي شخص كافة التفاصيل التي يحتاجها ابن آدم، وحتى الأنبياء، فلا يوجد نبي من الأنبياء يمكن الإقتداء بكل جزئية من حياته... فعلى سبيل المثال يمكننا الإقتداء بسيدنا سليمان كغني شاكر... ملك عادل.. لكن، هل تستطيع أن تقتدي به كفقير محروم؟... لماذا؟ لأن هذه الجزئية غير موجودة في حياته! هل يمكن الإقتداء به كضعيف مقهور؟!هل تستطيع الأمة عندما تكون في حالة ضعف أو انكسار أن تقتدي بسيدنا سليمان؟ لا، لأن هذه الجزئية غير موجودة... وسيدنا عيسى.. يمكنك أن تقتدي به كشاب زاهد صابر بعيد عن المعصية، ولكن، هل من الممكن أن تقتدي به كأب أو جد؟ لا، لأنه لم يتزوج أصلاً!... لكن، من الوحيد الذي تجد لديه كل ما تريد في الدنيا؟ النبي (صلى الله عليه وسلم)...يمكنك أن تقتدي به غنياً وفقيراً... قوياً وضعيفاً... حاكماً ومحكوماً... زوجاً وجداً... زوجاً لأكثر من زوجة... زوجاً لامرأة لديها أطفال من رجل تزوجته قبله وترى كيف يعتني بهم... يمكنك أن تقتدي به والدنيا كلها مقبلة عليه... تقتدي به والدنيا كلها تفر منه... تقتدي به عندما تموت زوجته... تقتدي به عندما يتوفى سبعة من أولاده... يمكنك أن تقتدي به و هو مسالم و هو محارب... تستطيع أن تقتدي به في كل جزئية في حياته.لذلك فإن النبي هو الوحيد في الكون الذي لا توجد في حياته خصوصية أو سر.. لكي يكون قدوة... كيف يعامل زوجته و هي حائض... كيف يعاملها و هو صائم... كيف يغتسل مع زوجته... يقبل زوجته أم لا... وكيف ومتى يقبلها... وصف وضعه المالي... وضعه المالي عند الوفاة... فلا توجد خصوصية... فلم لا تقتدي به إذن؟ تحبه حباً شديداً؟ في يوم من الأيام، كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يمشي مع مجموعة من الصحابة ومنهم سيدنا عمر، أمسك يده بحنان وعطف فقال عمر من فرط الحلاوة التي شعر بها من يد الرسول (صلى الله عليه وسلم): والله يا رسول الله إني أحبك!فسأله النبي: "أكثر من أهلك يا عمر؟" فقال نعم يا رسول الله... فقال: "أكثر من ولدك يا عمر؟" قال: نعم... ثم قال: "أكثر من مالك يا عمر؟" فقال: نعم... قال: "أكثر من نفسك يا عمر؟" قال: لا يا رسول الله!..فقال الرسول: "لا يكتمل إيمانك يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك وأهلك ومالك وولدك ويحكي ابن عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- أن عمر بعد هذا الحديث جلس وحده يفكر، ثم رجع إلى الرسول وقال له أمام الصحابة: والله يا رسول الله لأنت الآن أحب إلي من نفسي... فقال له النبي: "الآن يا عمر الآن يا عمر"... فهو يقصد الآن اكتمل إيمانك. تعجب ابن عمر من أن أباه استطاع أن يغير قلبه بهذه السرعة، فسأله عن ذلك، فقال عمر: جلست يا بنى وسألت نفسي.. لمن تحتاج أكثر يا عمر؟ لنفسك أم لرسول الله؟ فوجدت أني كنت في الضلال فأخذ رسول الله بيدي إلى النور، فوجدته أفادني أكثر من نفسي...ووجدت أني آتي يوم القيامة فيدخلني الله الجنة إن شاء الله، ولكن أين لي بالفردوس الأعلى؟ فوجدت أني لا أدخل الفردوس الأعلى إلا بحبي لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوجدت أني أحتاجه أكثر من نفسي فأحببته أكثر من نفسي.
وندخل في الموضوع
بدأت البعثة و هو في الأربعين من العمر، ولكنه قضى سنواته العشر بين الثلاثين والأربعين في التأمل في غار حراء، وهو في مكان وعر حتى أنه يصعب على الشاب الصعود له... ولكن عندما تصعد إلى غار حراء تجد المشهد الذي أمامك... فترى الكعبة جيداً وترى الكون فسيحاً أمامك... ولكن ماذا كان يفعل النبي في غار حراء؟ كان يتعبد... ولكن لم يكن هناك في ذلك الوقت صلاة أو صوم... فقد كان يمارس عبادة اندثرت الآن للأسف وهي عبادة التفكر في خلق الله... فكان ينظر في السماء... ويستشعر ويتأمل ويتفكر في خلق الله... لقد تعبد أياماً وشهوراً وسنين عبادةً أهلته لأن يكون نبياً... وفي ليلة من الليالي جاءه الملك، -فقد قال تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة القدر"
يقول الرسول: "فبينما أنا في الغار فإذا بالملك يسد الأفق... كلما نظرت إلى ناحية في السماء وجدته يملؤها... يقول لي يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل... ثم قال لي: اقرأ... فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني و ضمني حتى بلغ منى الجهد"... حتى ارتجف النبي و تسارعت دقات قلبه... "ثم أرسلني.. فقال: اقرأ... فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني وضمني وضغطني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني... وقال: اقرأ... فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني الثالثة وضمني وضغطني حتى ظننت أنه الموت... فقال لي: اقرأ... فمن شدة الخوف قلت: ماذا أقرأ؟ فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *... و اختفى الملك"يقول النبي: "فرجعت يرجف فؤادي"...
ومن يومها أخذ النبي الموضوع بجدية لمدة 23 سنة... فبالنهار دعوة إلى الله، وبالليل واقف بين يدي الله يصلي،وظل النبي هكذا، فلم يكن ينام إلا قليلاً... حتى قالت له السيدة خديجة: أفلا تنام يا رسول الله؟ فيرد علبها بالكلمة الجميلة التي نهديها للكسالى: "مضى زمن النوم يا خديجة"... الدنيا للعمل كي تحصل على المركز الأعلى في الجنة... وإذا رجعنا إلى القرآن، نجد الله يخاطب النبي قائلاً: "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ"... وأيضاً نفس الكلمة في: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر قُمِ"...ويظل النبي هكذا 23 سنة يقوم بمجهود غير عادي، وينزل القرآن فيقول: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ" لكي يؤمنوا و كأن الله يقول له هون عليك... ها نحن نطلب من الناس أن تتحرك بينما يقول الله للنبي هون عليك... ويظل النبي 3 سنوات يكلم الناس سراً... وبعد 3 سنوات يصير عدد المسلمين 40 ... و كان أول 4 اتبعوه (سيدة السيدة خديجة )وطفلاً(على بن أبي طالب ) وصديقه (سيدنا أبو بكر)
تنزل الآية: " فاصدع بما تؤمر".. انتهت السرية..فيخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) -وكل الأرض غير مسلمة- يعلن الإسلام... وليس لعدد ضئيل؛ بل للجميع وعلى أكثر الجبال شهرة.. جبل الصفا... فيقف النبي على الجبل، ويبدأ ينادي.. يا بني كذا.. يا بني كذا.. وينادي على القبائل، ثم قال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خلف هذا الجبل الصغير جيشاً يريد أن يغير عليكم.. أكنتم مصدقي؟"قالوا ما جربنا عليك كذباً قط... وهذا أهم شئ من أجل الدعوة.. الأخلاق... قالوا ما جربنا عليك كذباً قط... نصدقك حتى لو قلت أنه يوجد جيش خلف هذا الجبل الصغير... فقال لهم بمنتهى القوة و العزة: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"... ومن يومها يبدأ الإيذاء و يتعرض الرسول لما لا تتخيله... إحدى المرات كان النبي يقف يصلي عند الكعبة، فأتى عقبة بن أبي معيص، وهو أكثر الناس افتراءً على النبي (صلى الله عليه وسلم).. وخلع عباءته وبرمها ولفها على رقبة النبي ليخنقه... ويقول النبي: "فسقطت على ركبتي"... أي أنه منع عنه الأكسجين... وفي إحدى المرات وهو يصلى أيضاً في الكعبة وهو ساجد أتاه عقبة بن أبي معيص وأتى بأمعاء جمل ميت ورماها على ظهر النبي (صلى الله عليه وسلم)... يقول النبي: "فما استطعت أن أقوم" حتى لا يمتلئ جسمه بالوسخ، فظل ساجداً ينتظر أحداً من المسلمين القلائل ليزيل الوسخ من عليه... فظل ساجداً مدة طويلة إلى أن أتت ابنته زينب فوجدت أباها ساجداً هكذا وقريش تضحك... فتأتي السيدة زينب تزيح الوسخ من على ظهر النبي وهي تبكى، فيقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "لا تبكي يا بنية إن الله ناصر أبيك"... وفي مرة كان يعبر إحدى الطرقات بمكة وينتظره أحدهم خلف حائط بجوال من الرمال، وعندما اقترب النبي سكب عليه الجوال فامتلأ جسده بالرمال... وينتظره أحدهم بتراب ليلقيه في وجه النبي عندما يعبر... فيعود إلى بيته ووجهه ممتلئ بالتراب فتبكي بناته وهن يزحن التراب عن وجه أبيهن فيقول: "لا تبكوا يا بنياتي فإن الله مع أبيكم"...بل وحدث أكثر من ذلك، حتى أنهم غيروا اسمه فلقبوه "مذمم" وكانوا يضحكون ويتهكمون عليه... وكان الصحابة يبكون... فيقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "دعوهم إنما يشتمون مذمماً وأنا محمد"...
ويظل هكذا عشر سنوات يعاني من إيذاءٍ ليس موجهاً له فقط وإنما له ولأصحابه... ويعمى من يعمى، وأول من يعمى سيدة وهي مهدية... فتفقد بصرها تحت وطأة الإيذاء...ويقتل من يقتل، وأول من قتل سيدة وهى سمية.ويظل أصحاب النبي يعانون من أشكال العذاب و هم صابرون صامدون... وتكتشف قريش بعد ذلك أنه لا فائدة فقد أبادوا قدر ما أبادوا و هم لا يزالون مصرين. ويستمر الإيذاء 10 سنوات... وتجد قريش أنها كلما زادت الإيذاء كلما ازدادوا قوة!... ما هذا الإصرار؟!...فقرروا تجربة أسلوب جديد... فعرضوا على النبي المفاوضات...وكانت المفاوضات على هيئة مساومة... فقالوا له: يا محمد.. إذا كنت تريد أن تكون غنياً نجمع لك أموالاً فتكون أغنى رجل بيننا ودعك من هذا الموضوع.. وإذا كنت تريد أن تكون ملكاً ننصبك علينا.. وإذا كنت تريد أن تكون رئيساً نجعلك رئيساً و يرجع لك الجميع قبل فعل أي شئ.. وإذا كنت تريد الزواج من أجمل فتاة لدينا نزوجك إياها.. ونلاحظ أدب الحوار في رد النبي عليهم..فقد قال: "قل يا أبا الوليد، أنا أسمع"، و لم يقاطعه النبي، وعندما انتهى الرجل، قال له النبي بهدوء: "أفرغت يا أبا الوليد؟" فقال: نعم.. قال: "فهل تسمع مني؟"ا؟وبدأ الرسول يرد عليه بالقرآن، فقرأ من سورة فصلت، وبدأ وجه الرجل يتغير من قراءة النبي وتأثر، فهو يقرأ من قلبه حتى تشعر, كأن الله يكلمك أنت... حتى وصل إلى "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ" فوضع الرجل يده على فم النبي و قال له: ناشدتك أن تسكت!... خاف... تأثر... خاف من كلام النبي...إذن لم تنفع هذه الطريقة، فجربوا طريقة أخرى، فذهبوا لأبى طالب، وطلبوا منه أن يجعل ابن أخيه يسكت، فيهدئهم بكلمات طيبة ويقول لهم أنه سيخبره ذلك، ثم يدع النبي يفعل ما يريد، ولكنهم ذهبوا إليه مرة ومرتين وثلاثة، حتى يصير الأمر صعباً على أبي طالب، فذهب للنبي وقال له: لقد دافعت عنك كثيراً يا ابن أخي فدعك من هذا الموضوع، فلم أعد أقدر على الوقوف إلى جوارك أكثر من ذلك..ويقول النبي:"والله يا عمي.. لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أموت في سبيله"... إذن لم تنفع هذا الطريقة، فجربوا طريقة رابعة، حبسوا النبي والصحابة في منطقة تسمى شعب بني طالب، و هو مكان صحراوي يخلو من الزرع والمياه... حدث لهم كل ذلك على مدار عشر سنوات... فكيف لا تحب النبي؟!عندما وضعوهم في شعب بني طالب، لم يكن هناك ما يأكلونه، فأكلوا الزرع وورق الشجر وهم صحابة النبي وأهل الجنة والنبي معهم و لم تستثن قريش منهم إلا واحداً فقط وهي السيدة خديجة فلم ترض لها قريش هذا العذاب... ولكنها لم تقبل فقالت: أنا معهم... ولكنها لم تتحمل وماتت بعد ذلك بمدة قليلة... لقد أكلوا ورق الشجر حتى كانت مخرجاتهم كمخرجات البعير لأنهم كانوا يأكلون نفس طعامهم لمدة 3 سنوات بما في ذلك الرسول